هل تغير الانتخابات التوازنات النيابية والمعادلة السياسية؟
مصدر سياسي: الأزمة اللبنانية مركبة ومعقدة ولا حل قبل سنوات
تكثر الرهانات في لبنان على الانتخابات النيابية كمحطة مفصلية وحاسمة لجهة تحقيق التغيير المنشود على مستوى الطبقة السياسية وسلطة القرار، وبالتالي فتح ثغرة في جدار الأزمات الاقتصادية والمالية باتجاه النهوض بالبلد.
ينطلق المراهنون على هذا الإستحقاق الانتخابي من كونه الأول بعد أحداث 17 تشرين، يوم خروج معظم الشعب اللبناني إلى الشارع للمطالبة بتغيير السياسات وتأمين المطالب المحقة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والمالية.
ويعتقد هؤلاء أن المزاج العام تحول إلى حدٍ كبير ضد الأحزاب السياسية التي تُشكل السلطة السياسية التي حكمت طيلة العقود الثلاثة الماضية، وأوصلت البلاد إلى هذا المنحدر المالي الاقتصادي الخطير، وقد آن الأوان لرحيلها أو تقليص كتلها وتمثيلها ونفوذها في الحد الأدنى، بعد أن دنت لحظة الحساب والمحاسبة في 15 أيار المقبل.
لكن ينقسم المراهنون إلى قسمين:
الأول حسن النية يضُم القوى التي تطلق على نفسها “قوى التغيير” من كافة الطوائف وتراهن على اختراق “بلوكات” الأحزاب بـ”كوتا” لمجموعات المجتمع المدني التي شاركت في تظاهرات تشرين 2019 وتحمل الطبقة السياسية مسؤولية انهيار الأوضاع، لكنها ترفض شعارات المجموعات الأخرى كنزع سلاح حزب الله وتحميل المقاومة مسؤولية الانهيار وتطبيق القرارات الدولية والتطبيع.
القسم الثاني: مجموعات من المجتمع المدني التي شاركت أيضا بـ”انتفاضة” تشرين ومتحالفة مع بعض قوى 14 آذار سابقاً كحزب الكتائب، ومدعومة سياسياً ومالياً من دول خارجية كالولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج، وتسعى لاختراق لوائح حزب الله وحلفائه من حركة أمل وفريق 8 آذار والتيار الوطني الحر، عبر إيصال مرشحين شيعة الى المجلس النيابي لكسر احتكار التمثيل الشيعي وتظهير صورة أن المزاج الشيعي يتحول تدريجيًا ضد حزب الله، وتحميله مسؤولية الأزمات القاسية التي يعانيها اللبنانيون، وكذلك جذب الصوت السني – المستقبلي بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري لخلق كتلة نيابية سنية تشكل رأس حربة المواجهة مع حزب الله في المجلس النيابي.
ويتلاقى هذا التوجه مع أهداف حزب القوات اللبنانية بإضعاف حزب الله من جهة وتقليص كتلة التيار الوطني الحر قبل أشهر قليلة من استحقاق رئاسة الجمهورية، لذلك تعمل واشنطن ودول الخليج على شدّ الخناق والحصار المالي والاقتصادي والنفطي والكهربائي على لبنان، للحفاظ على هذا المزاج الوطني والشيعي تحديدًا المعارض للحزب وحلفائه وفق الحسابات الأميركية.
في المقابل، يراهن حزب الله على تحويل الانتخابات الى فرصة للاستفتاء الشعبي على خيارات المقاومة وبالتالي تثبيت تمثيله الشعبي والنيابي والسياسي في الداخل وتجديد وتأكيد شرعيته أمام الخارج، وإسقاط النظريات التي تسوق لضعف الحزب في بيئته، بموازاة سعي حركة أمل لإثبات حضورها وشرعيتها الشعبية بعد الحملات التي طاولت رئيسها ونوابها بالفساد وتراجع شعبيتها في الجنوب، لا سيما في دائرة صور – الزهراني، في ظل المعلومات التي كشفها الرئيس نبيه بري منذ يومين عن تدخلات خارجية وانفاق مالي في هذه الدائرة لاختراق اللائحة ولتقليص نسبة الاقتراع.
أما التيار الوطني الحر، فيجد في الانتخابات فرصة لإثبات تمثيله الشعبي والسياسي بعد الانتقادات والتراجع الذي تعرض له خلال العامين الماضيين وتحميل العهد مسؤولية الانهيار القائم، ما يسمح لرئيس التيار النائب جبران باسيل برد الاعتبار له وعودته الى السباق الرئاسي من الباب النيابي الواسع.
السؤال الذي يتردد في الأوساط السياسية والشعبية: هل يُشكل الاستحقاق الانتخابي جسر العبور للتغيير المنشود كما تراه مختلف القوى والأحزاب؟ وبالتالي يكون باب الإنقاذ الاقتصادي؟
تتقاطع الدراسات والاحصاءات التي تجريها مراكز الأبحاث والدراسات مع قراءات المحللين السياسيين على نقطة مشتركة، مفادها أن الانتخابات لن تشق طريق التغيير، ولن تحدث تحولا كبيراً في المعادلة النيابية القائمة باستثناء غياب كتلة المستقبل النيابية عن البرلمان، وبالتالي فإن الأحزاب السياسية ستنجح بإعادة مرشحيها الى الندوة البرلمانية لا سيما ثنائي أمل وحزب الله اللذين يسعيان جاهدين لإنجاح كافة لوائحهما ودعم حلفائهما في 8 آذار والتيار الوطني الحر، مع حفاظ “القوات” والكتائب اللبنانية على حصتيهما، مع توقعات بخروقات خجولة تحديدًا في الساحة السنية بإيصال كتلة نيابية متواضعة لن تستطع المس بالأكثرية النيابية لصالح تحالف حزب الله – أمل – 8 آذار والتيار الوطني الحر ولا بالتوازنات السياسية.
وتشير مصادر سياسية – اقتصادية مطلعة في هذا السياق لـ”أحوال” الى أن الانتخابات ستفضي الى أغلبية لفريق حزب الله وحلفائه والأهم أنها أغلبية وطنية وميثاقية وليست طائفية.
وتلفت إلى أن لا تغير في المعادلة الداخلية، ولا مؤشرات على تسوية سياسية اقليمية – دولية تفتح الباب أمام تسوية داخلية مالية للانفراج الاقتصادي.
وترى المصادر أن أزمة لبنان باتت متشعبة ومركبة لا يمكن اختصارها بجانب معين، بل بمجموعة متشابكة من الأزمات تحتاج الى خطة كاملة وشاملة على المدى الطويل:
–أزمة مالية: ديون على الدولة بمليارات الدولارات وفجوة مالية كبيرة بـ 69 مليار دولار وعجز في الموازنة وخزينة تعاني من شح بالسيولة تعجز حتى عن دفع رواتب موظفي القطاع العام وتشغيل المؤسسات الخدماتية واستيراد المحروقات والمواد الغذائية الأساسية.
–أزمة اقتصادية: أزمة بنى تحتية ومرافق مع تدمير مرفأ بيروت وانكماش اقتصادي وانهيار العملة الوطنية والقوة الشرائية للمداخيل، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء وتعدد أسعار الصرف وارتفاع كبير بأسعار السلع والمواد الغذائية.
–أزمة نقدية: بعد تراجع الاحتياط في مصرف لبنان من 33 مليار دولار إلى 13 مليار دولار وربما أقل بحسب مراجع مالية!
–أزمة ودائع يقول خبراء إن معظمها تبخّر بعمليات تحويل ونهب وتهريب للخارج وتمويل سياسات دعم المحروقات والمواد الغذائية وبتعاميم مصرفية أمّعنت بقضم وهضم ما تبقى من الودائع
–أزمة مصارف: قطاع مصرفي منهك ومصارف معرضة للافلاس وتحتاج الى إعادة هيكلة.
–أزمة سياسية تتشعب الى أزمة دستورية وميثاقية عند كل استحقاق دستوري في ظل دعوات لاعادة النظر باتفاق الطائف وتطبيق بنوده، أو لجهة تعديله وتطويره كونه لم يعد صالحاً في ظل التحولات والتوازنات الجديدة في العشرة أعوام الأخيرة.
ويخلص المطلعون للإشارة الى أن الأزمة اللبنانية أكبر من انتخابات نيابية ولا حتى رئاسية، بل أزمة وطنية ميثاقية سياسية دستورية واقتصادية ومالية، مترافق مع وضع اقليمي – دولي متشابك ومشتبك، ونظام اقليمي – دولي ينبثق من الحروب والازمات القائمة يبحث لبنان عن موقعه الجددي فيه.
محمد حمية